فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)}.
{وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الهدى} أي إلى أن يهدوكم إلى ما تحصلون به مقاصدكم مطلقًا أو في خصوص الكيد المعهود {لاَ يَسْمَعُواْ} أي دعاءكم فضلًا عن المساعدة والإمداد، وهذا أبلغ من نفي الاتباع، وحمل السماع على القبول كما في سمع الله لمن حمده كما زعمه بعضهم ليس بشيء، وقوله سبحانه وتعالى: {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} بيان لعجزهم عن الإبصار بعد بيان عجزهم عن السمع، وبهذا على ما قيل تم التعليل لعدم المبالاة فلا تكرار أصلًا، وقال الواحدي: إن ما مر للفرق بين من تجوز عبادته وغيره، وهذا جواب ورد لتخويفهم له صلى الله عليه وسلم بآلهتهم، والرؤية بصرية، وجملة ينظرون في موضع الحال من المفعول الراجع للأصنام، والجملة الاسمية حال من فاعل ينظرون، والخطاب لكل واحد من المشركين، والمعنى وترى الأصنام رأي العين يشبهون الناظر إليك ويخيل لك أنهم يبصرون لما أنهم صنع لهم أعين مركبة بالجواهر المتلألئة وصورت بصورة من قلب حدقته إلى الشيء ينظر إليه والحال أنهم غير قادرين على الإبصار، وتوجيه الخطاب إلى كل واحد من المشركين دون الكل من حيث هو كل كالخطابات السابقة للإيذان بأن رؤية الأصنام على الهيئة المذكورة لا يتسنى للكل معًا بل لكل من يواجهها.
وذهب غير واحد إلى أن الخطاب في {تَرَاهُمْ} لكل واقف عليه، وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم، وضمير الغيبة على حاله أو للمشركين على أن التعليل قد تم عند قوله تعالى: {لاَ يَسْمَعُواْ} أي وترى المشركين ناظرين إليك والحال أنهم لا يبصرونك كما أنت عليه أو لا يبصرون الحجة كما قال السدي، ومجاهد.
ونقل عن الحسن أن الخطاب في {وَإِن تَدْعُوهُمْ} للمؤمنين على أن التعليل قد تم عند قوله سبحانه وتعالى: {يُنصَرُونَ} [الأعراف: 197] أي وإن تدعوا أيها المؤمنون المشركين إلى الإسلام لا يلتفتوا إليكم ولا يقبلوا منكم، وعلى هذا يحسن تفسير السماع بالقبول، وجعل {وَتَرَاهُمْ} خطابًا لسيد المخاطبين بطريق التجريد، وفي الكلام تنبيه على أن ما فيه عليه الصلاة والسلام من شواهد النبوة ودلائل الرسالة من الجلاء بحيث لا يكاد يخفى على الناظرين.
وجوز بعضهم أن تكون الرؤية علمية وما كان في موضع المفعول الثاني والأول أولى. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ} إذ ليس لهم سمع، وإن صوّرت لهم الآذان، كما أنه لا بصر لهم، وإن صوّرت لهم الأعين. كما قال: {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ} إذ صورت لهم الأعين {وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} لأنهم جماد عوملوا معاملة من يعقل، فعبر عنهم بضميره، لأنهم على صور مصورة كالْإِنْسَاْن، وهذا من تمام التعليل، لعدم مبالاته بهم، فلا تكرار.
وقال السدي: المراد بهذا المشركون، وروي عن مجاهد نحوه، أي: وإن كانوا ينظرون إليك، فإنهم لا ينتفعون بالنظر والرؤية.
قال ابن كثير: والأول أولى، وهو اختيار ابن جرير، وقاله قتادة، أي: تفصيًا من التفكيك، لأن المحدث عنهم الأصنام.
تنبيه:
من غرائب استنباط المعتزلة قولهم في هذه الآية- والعبارة للجشمي- ما مثاله: تدل الآية على أن النظر غير الرؤية، وأنه لا يقتضي الرؤية، لذلك أثبتهم ناظرين غير رائين.
قال: ومثله قولهم نظرت إلى الهلال فلم أره. ويقسمون النظر إلى وجوه، ولا تنقسم الرؤية.
قال: فبطل قول من يقول: إن قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} يقتضي الرؤية. انتهى.
ولا يخفى أن الأصل في إطلاق النظر هو الرؤية والإبصار، ولذلك تتعاقب في هذا المعنى، وتترادف كثيرًا، وانفكاكه عن الرؤية في هذا الآية لقرينة كون المحدث عنهم جمادًا، ولا قرينة في الآية لتقاس على ما هنا، دع ما صح الأخبار في وقوعها، مما هو بيان لها- فافهم-. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)}.
عطف على جملة {والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم} [الأعراف: 197] الآية أي قُل للمشركين: وإن تدعوا الذين تدعون من دون الله إلى الهدى لا يسمعوا.
والضمير المرفوع للمشركين، والضمير المنصوب عائِد إلى الذين تدعون من دونه، أي الأصنام.
والهدى على هذا الوجه ما فيه رشد ونفع للمدعو.
وذكر {إلى الهدى} لتحقيق عدم سماع الأصنام، وعدم إدراكها، لأن عدم سماع دعوة ما ينفع لا يكون إلا لعدم الإدراك.
ولهذا خولف بين قوله هنا {لا يسمعوا} وقوله في الآية السابقة {لا يتبعوكم} [الأعراف: 193] لأن الأصنام لا يتأتى منها الاتباع، إذ لا يتأتى منها المشي الحقيقي ولا المجازي أي الامتثال.
والخطاب في قوله: {وتراهم} لمن يصلح أن يخاطب فهو من خطاب غير المعين.
ومعنى ينظرون إليك على التشبيه البليغ، أي تراهم كأنهم ينظرون إليك، لأن صور كثير من الأصنام كان على صور الأناسي وقد نحتوا لها أمثال الحدَق الناظرة إلى الواقف أمامها قال في الكشاف لأنهم صوروا أصنامهم بصورة من قلّب حدقته إلى الشيء ينظر إليه. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)}.
وبطبيعة الحال لو أن أحدًا دعا هذه الأصنام إلى الهداية فلن تهتدي الأصنام لأنها من الجماد الذي لا تصلح معه دعوة أو فهم. رغم أن الصنم منها له عيون كالتي تراها حاليا في معابد الهندوس أو البوذيين، حين يضعون للتماثيل في مكان حدقة العين خرزًا ملونًا يشبه العين، وتوجه الحدقة بميلها وكأنه ينظر إليك وهو لا يرى شيئًا. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184)} إلى قوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)}.
التفسير: إنه تعالى لما بالغ في تهديد الملحدين المعرضين عن آياته الغافلين عن التأمل في بيناته عاد إلى الجواب عن شبهاتهم فقال: {أو لم يتفكروا} وإذا علم أن الرؤية بالصبر حالة مخصوصة بالانكشاف والجلاء ولها مقدمة هي تقليب الحدقة إلى جهة المرئي، كذلك رؤية البصيرة وهي المسماة بالعلم واليقين حال متعينة بالوضوح والإنارة ولها مقدمة هي تقليب حدقة القلب إلى الجوانب طلبًا لذلك، وهذه الحالة تسمى بنظر العقل وفكرته. وفي اللفظ محذوف والتقدير: أو لم يتفكروا فيعلموا ما بصاحبهم من جنة وهي حالة من الجنون كالجلسة.
كان جهال أهل مكة ينسبونه إلى الجنون لوجهين: أحدهما أنه صلى الله عليه وسلم كان يغشاه حالة عجيبة عند الوحي شبيهة بالغشي يتربد وجهه ويتغير لونه، والثاني أن فعله وهو الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة والدعاء إلى الله تعالى كان مخالفًا لفعلهم. وعن الحسن وقتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قام ليلًا على الصفا يدعو فخذًا فخذًا من قريش: يا بني فلان يا بني فلان يحذرهم بأس الله وعقابه. فقال قائلهم: إن صاحبكم هذا لمجنون واظب على الصياح إلى الصباح. فأمرهم الله تعالى بالتفكر والتدبر في أمره وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعوهم إلى عبادة الله وحده ويقيم عليهم الدلائل القاطعة بألفاظ فصيحة عجز الأولون والآخرون عن معارضتها، وكان حسن الأخلاق طيب العشرة مرضي السيرة مواظبًا على أعمال حسنة، صار بسببها قدوة لعقلاء العالمين، ومن المعلوم بالضرورة أن مثل هذا الإنسان لا يمكن وصفه بالجنون وإنما هو نذير مبين أرسله رب العالمين لترهيب الكافرين وترغيب المؤمنين. ولما كان النظر في أمر النبوة مفرعًا على دلائل التوحيد قال: {أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض} أي في مدلولاتهما. والملكوت الملك العظيم، وفي إنكار عدم النظر دلالة على وجوب الاستدلال فيما للعقل إليه سبيل وقد مر في هذا الكتاب كيفية دلالة السموات والأرض على وجود الصانع ولاسيما في سورة البقرة عند قوله: {إن في خلق السموات والأرض} [البقرة: 164] ثم قال: {وما خلق الله من شيء} أي مما يقع عليه اسم الشيء من اجناس غير محصورة. والغرض التنبيه على أن الدلالة على التوحيد ليست مقصورة على السموات والأرض، بل كل ذرة من ذارت هذا العالم. فيها برهان باهر ودليل ظاهر على الوحدانية لأنها مختصة بحيز معين من الأحياز غير المتناهية، وبقدر معين من الأقدار، وبوضع معين من الأوضاع وكذا الكلام في لونها وشكلها وطبعها وطعمها وسائر صفاتها، وكل واحد من هذه الاختصاصات لابد له من مخصص ولابد من الانتهاء إلى واجب واحد في ذاته وفي جميع اعتباراته {وأن عسى} هي مخففة من الثقيلة والأصل وأنه عسى على أن الضمير للشأن وفي أن يكون ضمير الشأن أيضًا والمعنى: أو لم ينظروا في أن الشأن والحديث عسى {أن يكون} الشأن {قد اقترب أجلهم} الموت أو القيامة. وإذا كان أحد هذين الاحتمالين قائمًا وجب على العاقل المسارعة إلى هذا الفكر والنظر سعيًا في تخليص النفس من هذا الخوف الشديد والخطر العظيم، أما قوله: {فبأي حديث بعده يؤمنون} فمتعلق بقوله: {عسى أن يكون} كأنه قيل: لعل أجلهم قد أقترب فما لهم لا يبادرون الإيمان بالقرآن قبل الفوت، وماذا ينتظرون بعد وضوح الحق وبأي حديث أحق منه يريدون أن يؤمنوا.
ودلالة في إطلاق لفظ الحديث على القرآن على أنه ليس بقديم لأن المراد بالحديث ما يرادف الكلام، ولو سلم فإنه محمول على الألفاظ والكلمات ولا نزاع في حدوثها، قوله: {من يضلل الله} قد سبق تفسير مثله، ثم لما تكلم في النبوة والتوحيد والقضاء والقدر أتبعه الكلام في المعاد فقال: {يسألونك عن الساعة} وأيضًا لما ذكر اقتراب الأجل بين أن وقت الساعة مكتوم عن الأفهام ليصير ذلك حاملًا للمكلفين على المسارعة إلى التوبة وأداء الفرائض. ومن السائل؟ عن ابن عباس أنهم اليهود قالوا: يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيًا فإنا نعلم متى هي. وعن قتادة. إنهم قريش قالوا: يا محمد إن بيننا وبينك قرابة فأسرّ إلينا متى الساعة. قال في الكشاف. الساعة من الأسماء الغالبة كالنجم للثريا، سميت القيامة ساعة لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها أو على العكس لطولها كما يقال للحبشي أبو البيضاء، أو لأنها عند الله على طولها كساعة من الساعات عند الخلق و{أيان} استفهام عن الزمان ويختص بالأمور العظام نحو {أيان مرساها} [النازعات: 42] {وأيان يوم الدين} [الذاريات: 12] ولا يقال أيان نمت. وكسر همزته لغة بني سليم. وعن ابن جني أن اشتقاقه من أيّ فعلان منه وأيّ فعل من أويت إليه لأن البعض يأوي إلى الكل، وأنكر أن يكون اشتقاقه من أين لأنه للزمان وأين للمكان ولقلة فعال في الأسماء وكثرة فعلان فيها. وقال الأندلسي: أصله أي أو أن حذفت الهمزة مع الياء الأخيرة فبقي أيوان فأدغم بعد القلب. وقيل: أصله أي آن بمعنى أيّ حين فخفف بحذف الهمزة فاتصلت الألف فاتصلت الألف والنون بأي. ورد بأن آنا لا يستعمل إلا بلام التعريف. والمرسى بمعنى الإرساء والإثبات، والرسّو الثبات والاستقرار ولعله لا يطلق إلا على ما فيه ثقل ومنه رسا الجبل وأرست السفينة ولا أثقل من الساعة على الخلائق {قل إنما علمها} أي علم وقت إرسائها وإثباتها وإقرارها {عند ربي} قد استأثر به لم يخبر به أحدًا من ملك مقرب ولا نبي مرسل يكاد يخفيها من نفسه ليكون أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية كما أخفى وقت الموت لذلك {لا يجليها} لا يظهرها {لوقتها} أي للخبر عن وقتها قبل مجيئها أحد {إلا هو} والحاصل أنه لا يقدر على إظهار وقتها المعين بالإخبار والإعلام إلا هو {ثقلت في السموات والأرض} قال الحسن: أي ثقل مجيئها على أهل السموات لانشقاق السماء وتكوير الشمس وانتثار النجوم، وعلى أهل اللأرض لأن في ذلك اليوم فناءهم وهلاكهم. أو ثقل هذا اليوم على الخلائق بما فيه من الشدائد والأهوال، أو ثقل تحصيل العلم بوقتها المعين عليهم أي أشكل واستبهم حتى صار ثقيلًا على الأفهام {لا تأتيكم إلا بغتة} إلا فجأة على حين غفلة منكم.